إصلاح جامعة القرويين وتحديات المستقبل. (دعوة الحق)

إصلاح جامعة القرويين وتحديات المستقبل.

  حسن جلاب
336 العدد مجلة دعوة الق
    مقدمة : 
    تنبهت كثير من الدول منذ زمان إلى أهمية التعليم العالي ودوره في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، واعتبروا الجامعة من المقومات الرئيسية للدولة العصرية، لأن بإمكانها المساهمة بفعالية في نقل الأمم من مرحلة التخلف إلى مرحلة متقدمة من النمو والتطور، وذلك بواسطة الأطر المكوّنة تكوينا علميا عاليا قادرة على حل المشكلات المستقبلية المطروحة.
    وقد تأتي لهم ذلك باتخاذ إجراءات وقرارات حاسمة، منها:
    - التخطيط الدقيق لبرامج البحث العلمي.
    - صرف الأموال الطائلة التي تراوحت حسب الدول ما بين 1 و 3 في المائة من الناتج القومي الخام.
    - التوجه نحو العلوم التطبيقية والتكنولوجية.
    الوضعية الراهنة للجامعات:
    يلاحظ أن هذا التوجه غير معمم على كل الدول، بل هو خاص ببعض الدول الأوربية والأمريكية والأسيوية القليلة.
    وعلى النقيض من ذلك فإن الجامعة في الدول النامية، عادة ما تنشأ تحت ضغط النمو السكاني، فتضطر إلى فتح جامعات في الأقاليم لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة الحاصلين على البكالوريا فيترتب عن ذلك:
    - الإحداث العشوائي للكليات.
    - عدم القدرة على تجهيزها تجهيزا حديثا من حيث المعدات ووسائل التدريس والمختبرات.
    - ضعف الميزانية المخصصة لها.
    - ضعف مستوى التأطير التربوي والعلمي.
    - الاكتظاظ، وعجز الكليات عن استيعاب الأعداد الهائلة من المسجلين، ولعل أول نتيجة تترتب على مثل هذه الأحوال هي:
    + ضعف مستوى الخريجين المكونين الذين لم تتح لهم فرص حقيقية للتكوين المتين.
    + عدم الترابط بين طرق لتكوين ومناهجه وأساليبه وبين خطط التنمية، فتكون الجامعة قد ساهمت في تخريج عينات من الطلبة لا يتناسب تكوينهم وحاجات المجتمع من الأطر والعاملين.
    وتصبح هذه الدول بالتالي مستهلكة وغير منتجة في المجالات العلمية والمعرفية، ويضطر المتقدمون والنبغاء من أساتذتها وخريجيها إلى الهجرة نحو البلدان المتقدمة التي تتوفر على تخطيطات ودعم للبحث العلمي.
    جامعة القرويين بين الأمس واليوم:
    لا نحتاج إلى إعادة الحديث عن الدور الذي نهضت به جامعة القرويين منذ إنشائها:
    - في الإشعاع العلمي والمعرفي والديني والوطني ليس فقط بالمغرب، ولكن بالغرب الإسلامي عامة.
    - وفيما أنجبته من رجالات الفكر والدين والمذهب الذين أسهموا في تطوير مجتمعاتهم عبر العصور.
    وقد تناولت بعض العروض هذه الجوانب وفصلت القول فيها، ولا مجال إلى الرجوع إليها.
    ولا نحتاج إلى إعادة الحديث عن هؤلاء الإعلام وما خلفوه من مؤلفات وآثار خالدة، وإبداعات مشرقة، فقد سبق لمؤلفات رصينة أن تناولت الموضوع كمؤلف الباحث المؤرخ عبد الهادي التازي عن القرويين(1) . وأطروحة المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد بغداد(2) . ورسالة السيد محمد الفلاح العلوي(3) .
    إلا أن الجامعة – مع الأسف – مرت بفترة من الجمود والفراغ، ولحقها ما لحق بعض الجامعات الحديثة من نقص في الوسائل المادية والتجهيزات، وعدم تطوير البرامج والمقررات، ونقص في التأطير التربوي، وإهمال للبحث العلمي، فأصبحت مثلها تدور في حلقة مفرغة. وتشعر كل الأطراف المكونة لها بالحاجة إلى تشخيص ما تعاني منه من أمراض، والانكباب عليها لمعالجتها بشكل يعيد إلى القرويين، بريقها وإشعاعها الديني والروحي والعلمي فتعود بالتالي إلى النهوض بما كانت تنهض به من أدوار طلائعية في المجتمع، ويعود إلى أساتذها وطلبتها ما كان لهم من اعتبار وصدارة ومكانة فيه.
    جامعة القرويين وآفاق المستقبل:
    إن الخروج من الوضعية الراهنة وتجاوزها يستدعي وضع خطة مستقبلية تسعى الجامعة إلى نهجها وتطبيقها.
    ونقترح لذلك العناصر التالية:

    1- التمسك بالثوابت : الثقافة الإسلامية، واللغة العربية.
    إن الدور الأساسي الذي أنشئت من أجله هذه الجامعة هو الدور الإسلامي الذي يقوم على خدمة علوم الشريعة الإسلامية، والحفاظ على التراث الثقافي الإسلامي وتطويره. وحتى نحافظ على هذا الدور لابد من تأسيس ثقافة إسلامية مواجهة لتحديات خطيرة ومتشابكة:
    - عقدية: نواجه بها ما يعرفه المجتمع من أنواع الخرافة والكفر، ومظاهر التطرف والدعوة إلى تيارات هدامة تفرق بين أبناء الأمة الواحدة، وتزرع بينهم بذور الحقد والعنف.
    وليس من سبيل إلى ذلك إلا بتقديم صورة للإسلام السني الصحيح، ودراسة الفكر الإسلامي المعتدل القائم على التفتح والتسامح، والوقوف عند أعلامه وأفكارهم ومؤلفاتهم.
    - فكرية: مصدرها ما يعج به العالم من دعوات علمانية لا تستند على قيم دينية، زاد من حدتها الميل إلى الاستفادة مما يتيحه المجتمع الحالي من وسائل الاستهلاك والرقي والتقدم التكنولوجي والإعلامي، الذي جعل المجتمع يعاني من مظاهر الفساد والتحرر المبالغ فيه، والذي لا يقيم لقيم الأخلاق والسلوك وزنا.
    - إن الرجوع إلى الثقافة الإسلامية من شأنه أن يحد من هذه المعضلة لما لها من قدرة على مواجهة كافة أنواع المتغيرات الفكرية، وملء ما قد يشعر به الناس في هذا المجال من حيرة ناتجة عن فراغ فكري مهول.
    - اجتماعية : وهي تحديات مرتبطة بسابقتها، ذلك لأن التحديات الفكرية السابقة الذكر جعلت مجتمعنا يشبه المجتمعات الغربية التي تنخر في عظامها أمراض اجتماعية خطيرة من انحلال الأسرة، وتفشي الانحراف، وتناول المخدرات.. وما إلى ذلك.
    فالثقافة الإسلامية الصحيحة القائمة على الدعوة إلى الاعتدال والتوازن بين حاجات الجسد والروح هي السبيل الأنجع، لتحقيق الحياة الإنسانية الكريمة، وتوفير الاستقرار النفسي اللازم، ليحيي الإنسان حياة سعيدة في الدنيا والآخرة.
    - تربوية: أصلها ما تعرفه مناهجنا الدراسية في مختلف مراحلها من هجوم المناهج الغربية التي لا توافقنا شكلا ومضمونا وروحا، بل تسهم في إبعادنا عن حضارتنا الإسلامية الزاهرة، وتدعم عمليات الغزو الثقافي الذي تتعرض له الأمة العربية والإسلامية، لذلك لابد للجامعة أن تقوم بحمية لغة القرآن، وتعزيز الثقافة العربية ونشرها، والتعريف بها في العالم، حتى تصبح لغة التواصل بين المجتمعات الإسلامية كما كانت من قبل، وأداة لنقل الخطاب الإسلامي وفهم مقاصده وغاياته.(4)
    ولا يمكن تصور نهضة إسلامية بدون اللغة العربية وإحلالها المكانة المرموقة التي تستحقها.
    ولعل أهم مكسب يمكن تحقيقه في هذا الباب هو فك العزلة عن الشباب الصاعد الذي أبعد عن دينه وحضارته بسبب تلقينه لغة غير اللغة العربية. وسيؤدي ذلك ليس فقط إلى المحافظة على هذه اللغة، وإنما إلى تعزيز الهوية الوطنية والقومية للأجيال الصاعدة. وهذا عامل من عوامل تطور الأمة وبنائها بناء سليما، وخطوة في سبيل بعث الحضارة الإسلامية كي تستعيد أمتنا الريادة التي كانت لها في العالم.

    2- التفتح على الثقافات ومحاورتها:

    إن دعوتنا إلى ثقافة إسلامية معبر عنها باللغة العربية لا يعني الدعوة إلى التقوقع ورفض باقي الثقافات، بل إننا ندعو إلى أن يكون طالب القرويين متفتحا على الثقافات واللغات الأجنبية، إذ لا يجب أن تنسى أن هذه الثقافة هي في الأصل رافد من روافد ثقافتنا الإسلامية، فلا أحد ينكر – من الأجانب أنفسهم – دور ابن سينا وابن رشد والخوارزمي وغيرهم في تطور أوربا، ودخولها في عصر النهضة الحديثة.
    لذلك فلا نمانع من أخذ الجوانب الإيجابية في الثقافة الأجنبية التي لا تتعارض مع ديننا وثقافتنا، وأن ننظر إليها بعيون الأصالة دون الانصياع في القوالب الثقافية والحضارية الأجنبية الجاهزة.
    إن العصر عصر تفاهم وحوار هادئ بين الحضارات والثقافات والأديان ذات القيم الخالدة، والتحول من علاقة التصادم والصراع إلى علاقة التحاور والجدال بالتي هي أحسن.
    وإن من شأن ذلك أن يربي الأجيال الصاعدة على الانفتاح والتسامح ويدفع الغرب إلى تصحيح نظرته إلى الإسلام والمسلمين، ويجعلنا نستفيد من إيجابيات الثقافة الأجنبية ونتجنب سلبياتها.
    وقد بدأت جامعة القرويين في تحقيق هذا المطلب في مشروع الإصلاح الجامعي الأخير باقتراح مسالك اللغة العربية واللغات الأجنبية الحية، والدراسات الإسلامية واللغات الأجنبية الحية مع الحفاظ على الثوابت والمقدسات: الدراسات الإسلامية واللغة العربية.

    3- التفتح على المحيط الاجتماعي:
    لا تخفى أهمية مراعاة المحي الاجتماعي في وضع البرامج الجامعية، إذ أن نجاح هذه البرامج يتناسب ومدى خدمة هذا المحيط ومواكبة حاجاته، وبالتالي خدمته لأهداف التنمية.
    ولعل أهم مشكلات الجامعة الآن هو التباين الصارخ بين نوعية التكوين وحاجات المجتمع، مما يفرض البطالة على عدد مهم من الخريجين.
    ومن الممكن أن تسهم الجامعة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمحيطها، عن طريق البحث عن حاجات المجتمع المتنوعة ومراعاتها عند وضع البرامج والمقررات، ولعل أبرزها وأهمها هي:
    - تقديم الحلول المرضية لما يستجد من مشاكل المجتمع ومعضلاته عن طريق الفتوى الصحيحة.
    - الاهتمام بالجانب الروحي في المجتمع، وإثارة القضايا الشائكة فيه عن طريق الندوات والأبحاث والوعظ، مع مراعاة الفهم الدقيق والسليم للإسلام، والفهم السليم لمتطلبات العصر الحديث، وللمتغيرات الاجتماعية والحضارية. وهي الرسالة التي نهضت بها الجامعة منذ القديم عندما كان علماؤها مندمجين اندماجا كليا في مجتمعاتهم، وهي التي ستمكننا الآن من المساهمة في التطوير الاجتماعي والحضاري للبلاد.
    4- التكوين والتأطير: 
    يبقى التكوين والتأطير من أهم رسائل الجامعات مهما كانت الظروف والمتغيرات، وقد قامت جامعة القرويين بهذا الدور أحسن قيام.
    أ‌- سواء في تاريخها القديم لساطع عندما كان المغرب رائدا في مجال العلم والحضارة والثقافة، وكانت تدرس بجامعاتنا علوم الطب والفلك، فضلا عن العلوم الشرعية واللغوية والأدبية، وكان طلبة الأندلس وأوربا يسعون إلى التكوين في جامعاتنا.
    ب‌-  أو عندما تم تحديث القرويين بعد الاستقلال وتكلفت – كغيرها من الجامعات العصرية – بتكوين الأطر المغربية في الميادين الشرعية واللغوية والأدبية والإنسانية، مع مراعاة أسس التكوين الحديث.
    وما زالت القرويين مطالبة بمتابعة هذا الدور مع مراعاة التغييرات التي عرفتها البلاد، ومتطلبات المرحلة الراهنة، فالمطلوب الآن تكوين طلبة يتجاوزن مجرد ترديد المحفوظ والمنقول، وإنما يكونون قادرين على الفهم السليم، والاستنباط الصحيح، والبناء لدقيق حتى يصلوا إلى مستوى الإيداع اعتمادا على أنفسهم.
    ولن يتأتى ذلك إلا إذا اعتبرنا الدراسة منهجا للبحث وطريقة للتفكير قبل أن تكون برنامجا للتدريس يرجى من ورائه تلقين المعلومات والمعارف.
    ولا يجب أن نتوقف مكتوفي الأيدي أمام مشكلة الأعداد الهائلة من الطلبة، بل لابد من اختيار الكيف على الكم، ومراعاة المحيط الاجتماعي وما يحصل من تغيرات مستمرة في المهن والوظائف.

    ولابد لكي نصل إلى نتائج طيبة:
    - من الاعتماد على أساتذة مؤهلين باحثين متميزين لهم شغف كبير بالبحث والتنقيب والإبداع.
    - وأن نعيد إلى الفضاء الجامعي هدوءه وتعاونه وخلوه من كل الشوائب، ليكون فضاء للتكوين المتين، والتثقيف العام، والحوار البناء، والتسامح الكبير.
    ولا يجب أن ننسى ونحن نتحدث عن التكوين أن نعيد إلى القرويين بعض خصوصياتها التي كانت تميز منذ القديم:
    - الجامعة الشعبية: التي لا يشترط فيها مستوى ثقافي معين، ويكون الهدف منها التعليم والمعرفة أساسا لا الحصول على شهادة أو وظيف. وقد كان الصناع التقليديون يلجون القرويين بفاس، وابن يوسف بمراكش للتثقيف بعد الفراغ من مهنهم، وما أكثر الذين يرغبون في ذلك الآن.
    - الجامعة المفتوحة: ولها نفس أهداف الأولى، إذ غالبا ما تدفع ظروف العمل، أو صعوبات الإقامة بالمدن الجامعية أو عدم الحصول على معدل معين، بعض الطلبة إلى الانتساب إلى إحدى الجامعات عن طريق المراسلة والدراسة من بعد، ويجب أن نفكر في هؤلاء ونفتح لهم شعبا للتكوين والتثقيف.
    - لقد تقلصت أدوار جامعة القرويين عندما تلت عن مثل هذه الأهداف، فبدت وكأنها معزولة عن محيطها الاجتماعي، كما أنها بدأت في التراجع عندما تم فصل العلوم العصرية عن العلوم الدينية، فلم تعد كما كانت من قبل تدرس الطب والهندسة والفلك والعلوم البحثة، وأن التعامل معها كجامعة متكاملة الهياكل والتخصصات، من شأنه أن يساعد على إعادتها إلى إشعاعها العلمي والفكري الذي كانت تعرفه من قبل.

    5- البحث العلمي:
    لا يمكن للجامعة أن تستحق هذه التسمية إذا لم تكن توفق وتوازن بين التدريس والبحث العلمي، بل المفروض أن تغلب جانب البحث العلمي على كل شيء، ولا يمكن أن تكون له فعالية ومردودية إذا لم تكن هناك سياسة بحثية ترسمها الدولة والجامعات وفقا لظروف المجتمع وإمكانياته وتطلعاته، والتحديات الحضارية التي تواجهه.
    ويجب أن نزيل الالتباس الحاصل في أذهان البعض الذين لا يعترفون بالبحث العلمي إلا للكيات التي تتوفر على مخابر تقوم بتجارب في العلوم البحثة، فما أحوجنا إلى بحث علمي كذلك في مجال العلوم الإنسانية والشرعية لاتصالها مباشرة بالتراث الديني والروحي والثقافي والحضاري والوطني للمغرب.
    لذا نرى أنه لابد من خلق مناخ مناسب للنهوض بالبحث العلمي يقوم على:
    1- تدريب الباحثين على استنباط الأحكام الشرعية لما يستجد من مشكلات معاصرة، وقضايا حقيقية تشغل مجتمعنا، وعرض موقف الإسلام منها، والإسهام في خلق عقلية علمية، وطريقة جديدة في التفكير مع مراعاة الثوابت والمقدسات.
    2- تكوين مجموعات بحث منسجمة وطموحة، تربط علاقات مع نظيرتها في الجامعات الأخرى، وتوسع مجالات التعاون معها، وتساير التطورات التي تعرفها الجامعات لحديثة في ميادين البحث العلمي.
    3- الاهتمام بالباحث، بإقرار مبدأ الاجتهاد في القضايا الفكرية والحق في إبداء الرأي والاختلاف، والإبداع مع مراعاة النزاهة الفكرية، واعتماد منهج الحوار الهادئ كأسلوب حضاري لرقي البحث العلمي وتطويره.
    وتشجيعا للباحث على العطاء لابد من الاعتماد على الإنتاج العلمي للترقية والحصول على الدرجات والمناصب العلمية، والسماح له بالتفرغ للبحث عندما تدعو الضرورة لذلك. 
    4- ولا يمكن الحديث عن تقدم البحث العلمي حاليا دون توفير ما يحتاجه من وثائق وتجهيزات علمية ووسائل مادية.
    يأتي على رأسها التوفر على المكتبات المتخصصة بمطبوعاتها ودورياتها وأساليب تسييرها الحديث وربطها بمراكز التوثيق الوطنية والعالمية وبخزانات الوثائق والمخطوطات، وتسيير سبل الاستفادة من محتوياتها.
    ولابد من توفير الأجهزة والمعدات اللازمة للبحث من حواسب ووسائل معلوميات متطورة لتطوير أساليب التسيير التربوي والعلمي مع القدرة على التكيف مع المغيرات التكنولوجية السريعة في هذا الميدان.
    أما الوسائل المادية فأصبحت من البديهيات، إذ لا يمكن القيام ببحث علمي جاد بدون توفرها، والبحث عن مصادر متنوعة ومختلفة للحصول عليها مع التدرب على ترشيدها واستعمالها الاستعمال الأمثل والأنسب.
    ولا نحتاج إلى التذكير بما صرفته الدول المتقدمة على مراكز البحث ومختبرات الجامعة لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم من تقدم وريادة في مختلف المجالات.
    6- جامعة القرويين وقيم الحداثة: 
    من الإشكالات المطروحة على جامعتنا في الوقت الراهن والتي ستطرح بإلحاح أكثر في القرن المقبل علاقتها بقيم الحداثة، وكيفية التعامل معها، وتتمثل في:
    - وسائل الاتصال المتطورة وما يواكبها من أعلام ومعلوميات ودورها في النمو الاقتصادي.
    - التكنولوجيا السريعة التطور وما لها من أثر في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للإنسان.
    ولابد هنا من طرح جواب الأستاذ العميد الدكتور عبد الوهاب التازي سعود(5)  على هذا الإشكال في النداء الموجه إلى طلبة القرويين بمناسبة الدخول الجامعي: 1996/1997، فقد دعا إلى ضرورة فهم قيم الحداثة، فهم المتغيرات الحاصلة في الميدان العلمي، ونظام الفكر الذي يحكمها ويسيطر على البشرية.
    وأكد أنه لابد من الجمع بين الأصالة والمعاصرة والتوفيق بينهما توفيقا علميا واعيا:
    - فالأصالة في المبادئ الدينية والقيم الوطنية والمقومات الثقافية.
    - والمعاصرة في التكنولوجيا، ووسائل الإعلام والتفتح على الثقافات واللغات الأجنبية، ونكون بذلك قد عملنا على تأصيل القيم الإسلامية الخالدة مع امتلاك قيم الحداثة.
    خاتمة:
    تلكم كانت مجموعة من الآراء والتصورات والاجتهادات لما يمكن أن تكون عليه جامعة القرويين، وما يمكن أن تنهض به في المستقبل، فقد تصورناها جامعة قائمة على دعائم متينة من الثقافة الإسلامية واللغة العربية والقيم الوطنية والقومية، ومنفتحة على الثقافات واللغات الأجنبية وقيم الحداثة مما لا يضر بجوهر مقدساتنا، ومركزة على خدمة المحيط الاجتماعي، والتفاعل معه، بتقديم تكوين متين، وبحث علمي متطور.
    وستبقى هذه الجهود بدون فعالية إذا لم تتوفر الإرادة السياسية التي ستساعد حتما على مواجهة تحديات العصر بما يسهم في تشكيل إضافة حضارية متميزة تدفع التراث المغرب العربي الإسلامي إلى الأمام، فالمستقبل كل المستقبل لقيمنا الروحية والأخلاقية المميزة لحضارتنا الإسلامية الخالدة.
    وليس هناك أنسب من الاحتفال بعيد الشباب المجيد للدعوة إلى إيجاد هذه الإرادة، وخاصة في أجواء التناوب السياسي الإيجابي الذي تعلق عليه الأمة – وعلى رأسها الشباب – الآمال العظام لتحقيق المطامح والأهداف السامية التي نسعى إلى تحقيقها جميعا : ملكا وشعبا.
    (1) جمع القرويين: المسجد والجامعة بمدينة فاس، ط، دار الكتاب اللبناني ط، 1/1972.
    (2) جامعة القرويين وأثرها في الحركة الإصلاحية والتحريرية بعد مطلع القرن 20/1990.
    (3)  جامع القرويين والفكر السلفي 1873/1914م. مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء 1994.
    (4)  انظر وجهة نظر الأستاذ إسماعيل الخطيب في الموضوع، في مقالته (التحديات المواجهة لثقافتنا الإسلامية) مجلة القرويين عدد: 7/1994.
    (5) !

    0 commentaires:

    إرسال تعليق